إن حل الدولتين يحتضر، فالشهر الماضي، حظي الجهد الفلسطيني في الأمم المتحدة الرامي إلى الحصول على وضع دولة مراقب غير عضو بموافقة المجتمع الدولي بأغلبية ساحقة - 138 صوتاً مقابل 9 أصوات- وقتها، حذرت إسرائيل من أن التصويت سيكون رمزياً ليس إلا، ومن أنه لن يغير شيئاً على أرض الواقع. لكن ذلك لم يكن سوى تصريح مدروس ومضلل. لأن الواقع هو أن إسرائيل عمدت بشكل فوري إلى الانتقام من جرأة الفلسطينيين وسعيهم إلى تحسين وضعهم من خلال إعلانها عن «استعدادات التخطيط والتقسيم» بخصوص مستوطنات غير قانونية في المنطقة «إي 1» الحساسة في الضفة الغربية المحتلة. وهذا الأسبوع، أعلنت إسرائيل عن طلب مناقصات لبناء آلاف الوحدات السكنية الجديدة – في ما يعد النشاط الأكثر شراسة في المنطقة منذ سنوات- بيد أن بناء المستوطنات الإسرائيلية المخطط له يجعل من دولة فلسطينية متواصلة جغرافياً أمراً مستحيلاً، ذلك أن بيت لحم ورام الله ستُعزلان عن القدس الشرقية إذا ما تم المضي قدماً في إنجاز مشروع «إي- 1»، رغم أن إسرائيل تجادل بأنه يمكننا أن نتدبر أحوالنا من خلال الأنفاق والجسور الرابطة، كما لو أن ذلك أمر يمكن تحمله. كما أن المخطط الإسرائيلي يغلق نصف الدائرة الاستيطانية حول القدس الشرقية - عاصمتنا المقبلة- ويبني مستوطنات داخلها. وإضافة إلى ذلك، فإن شمال الضفة الغربية سيُعزل عن جنوبها فعلياً وستتحكم إسرائيل في المفتاح. وفي هذا السياق، قال «دانييل سي. كرتزر»، وهو سفير الولايات المتحدة السابق إلى إسرائيل، بعد إعلان إسرائيل الأولي عن مخططات استيطانية في أواخر نوفمبر الماضي: «إن الأمر لا يتعلق ببناء بضعة منازل أخرى في القدس أو فوق تلال أخرى في الضفة الغربية، بل بواحدة من أكثر المناطق حساسية من الأراضي، وآمل أن تعمل الولايات المتحدة على إنفاذ القانون». بيد أن إدارة أوباما تبدو غير مستعدة للقيام بذلك، فبعد الإعلان عن مخططات إسرائيل الاستيطانية الجديدة يوم الأربعاء، أصدر كل أعضاء مجلس الأمن الدولي بيانات تندد بالبناء –كلهم عدا الولايات المتحدة- وعلى الرغم من أن متحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية قالت يوم الثلاثاء بعد أحدث إعلان إسرائيلي إن الولايات المتحدة «تشعر بخيبة أمل كبيرة» بسبب «نسق الأعمال الاستفزازية» الإسرائيلية، إلا أن إدارة أوباما، وبعد بداية إيجابية، أثبتت أنها تتردد في الوقوف في وجه إسرائيل تماماً على غرار سابقاتها. والواقع أنني سبق أن حذرتُ مراراً وتكراراً من انغلاق النافذة بخصوص حل الدولتين. ومن خلال أحدث أعمالها الاستيطانية تكون إسرائيل قد أعلنت فعلياً أن حكومتها ليست مهتمة بحل الدولتين في الحقيقة. وهو ما سيدفع الفلسطينيين من جيلي – والكثير من الفلسطينيين الأصغر سناً– إلى إعادة تقييم خياراتنا. فنحن بكل بساطة لن نقبل بأن يتم تحويلنا بشكل دائم إلى أراضٍ معزولة وإخضاعنا لنظام أقر الأسقف توتو والعديد من المرجعيات القانونية والأخلاقية الأخرى بأنه نظام تمييز عنصري. لقد أخذ صراعنا يتغير بسرعة. ذلك أن الدعوات إلى «حل الدولتين» – دولة ديمقراطية فيها حقوق متساوية لكل الإسرائيليين والفلسطينيين، بغض النظر عن الانتماء الديني أو الاثني– لن تزداد إلا قوة في المقبل من الشهور. وسيصبح «شخص واحد، صوت واحد» الشعارَ الجديد بالنسبة للكثير من الفلسطينيين. والواقع أنه لابد من إجراءات عقابية فعالة إذا كان يراد إسرائيل أن تتراجع عن مسارها الحالي. أما إذا لم تتخذ الولايات المتحدة هذه الإجراءات بسرعة، فعلى الغرب ألا يتفاجأ عندما يجد أن عدداً متزايداً من الفلسطينيين أخذوا يعتبرون أن حل الدولتين قد مات في عهد أوباما ونتنياهو. مصطفى البرغوثي عضو البرلمان الفلسطيني وأمين عام «المبادرة الوطنية الفلسطينية» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»